قصة العزيز عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
قََََََصَصُ الأنْبِیَاءِ
للإمام ابن الحافظ ابن كثیر
وھذه قصة العزير
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: ھو عزير بن جروة ويقال ابن
سوريق بن عدية بن أيوب بن درزنا بن عرى بن تقى بن أسبوع بن فنحاص
بن العازر بن ھارون بن عمران. ويقال عزير بن سروخا جاء في بعض الآثار
أن قبره بدمشق. ثم ساق من طريق أبي القاسم البغوي عن داود بن
عمرو، عن حبان بن علي، عن محمد بن كريب، عن أبیه، عن ابن عباس
مرفوعاً: لا أدري العزير بیع أم لا ولا أدري أعزير كان نبیاً أم لا.
ثم رواه من حديث مأمل بن الحسن، عن محمد بن إسحاق السجزي
عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن سعید المقبري، عن
أبي ھريرة مرفوعاً نحوه.
ثم روى من طريق إسحاق بن بشر، وھو متروك عن جويبر ومقاتل،
عن الضحاك، عن ابن عباس أن عزيراً كان ممن سباه بختنصر وھو غلام
حدث، فلما بلغ أربعین سنة أعطاه الله الحكمة. قال: ولم يكن أحد أحفظ
ولا أعلم بالتوراة منه. قال: وكان يذكر مع الأنبیاء حتى محى الله اسمه من
ذلك حین سأل ربه عن القدر.
وھذا ضعیف ومنقطع ومنكر، والله أعلم.
وقال إسحاق بن بشر، عن سعید، عن أبي عروبة، عن قتادة، عن
الحسن، عن عبد الله بن سلام. أن عزيراً ھو العبد الذي أماته الله مائة عام
ثم بعثه.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعید بن بشیر، عن قتادة، عن كعب
وسعد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن ومقاتل وجويبر، عن الضحاك،
عن ابن عباس وعبد الله بن إسماعیل السدي عن أبیه، عن مجاھد، عن
ابن عباس وإدريس، عن جده وھب بن منبه قال إسحاق كل ھؤلاء
حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضھم على بعض قالوا بإسنادھم إن عزيراً
كان عبداً صالحاً حكیماً خرج ذات يوم إلى ضیعة له يتعاھدھا، فلما انصرف
أتى إلى خربة حین قامت الظھیرة وأصابه الحر، ودخل الخربة وھو على
حماره فنزل عن حماره ومعه سلة فیھا تین وسلة فیھا عنب، فنزل في
ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في
القصعة ثم أخرج خبزاً يابساً معه فألقاه في تلك القصعة في العصیر لیبتل
لیأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجلیه إلى الحائط فنظر سقف تلك
البیوت ورأى ما فیھا وھي قائمة على عروشھا وقد باد أھلھا ورأى عظاماً
بالیة فقال: {أَنَّى يُحْیِي ھَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِھَا} فلم يشك أن الله يحییھا
ولكن قالھا تعجباً فبعث الله مالك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام.
فلما أتت علیه مائة عام، وكانت فیما بین ذلك في بني إسرائیل أمور
وأحداث. قال: فبعث الله إلى عزير ملكاً فخلق قلبه لیعقل قلبه وعینیه
لینظر بھما فیعقل كیف يحیي الله الموتى. ثم ركب خلفه وھو ينظر، ثم
كسى عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فیه الروح كل ذلك وھو يرى
ويعقل، فاستوى جالساً فقال له الملك كم لبثت؟ قال لبثت يوماً أو بعض
يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النھار عند الظھیرة وبعث في آخر النھار
والشمسلم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم لي يوم. فقال له الملك: بل
لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز الیابس،
وشرابه العصیر الذي كان اعتصره في القصعة فإذا ھما على حالھما لم
يتغیر العصیر والخبز يابس، فذلك قوله {لَمْ يَتَسَنَّهْ} يعني لم يتغیر، وكذلك
التین والعنب غض لم يتغیر شيء من حالھما فكأنه أنكر في قلبه فقال له
الملك: أنكرت ما قلت لك؟ فانظر إلى حمارك. فنظر إلى حماره قد بلیت
عظامه وصارت نخرة. فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل
ناحیة حتى ركبه الملك وعزير ينظر إلیه ثم ألبسھا العروق والعصب ثم
كساھا اللحم ثم أنبت علیھا الجلد والشعر، ثم نفخ فیه الملك فقام الحمار
رافعاً رأسه وأذنیه إلى السماء ناھقاً يظن القیامة قد قامت. فذلك قوله
{وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَیْفَ نُنشِزُھَا ثُمَّ
نَكْسُوھَا لَحْماً} يعني وانظر إلى عظام حمارك كیف يركب بعضھا بعضاً في
أوصالھا حتى إذا صارت عظاماً مصوراً حماراً بلا لحم، ثم انظر كیف نكسوھا
لحماً {فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من إحیاء
الموتى وغیره.
قال: فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر
منزله، فانطلق على وھم منه حتى أتى منزله، فإذا ھو بعجوز عمیاء
مقعدة قد أتى علیھا مائة وعشرون سنة كانت أمة لھم، فخرج عنھم عزير
وھي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته، فلما أصابھا الكبر أصابھا
الزمان، فقال لھا عزير: يا ھذه أھذا منزل عزير قالت: نعم ھذا منزل عزير.
فبكت وقالت: ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً وقد نسیه الناس.
قال إني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت: سبحان الله!
فإن عزيراً قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير
قالت: فإن عزيراً رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء
بالعافیة والشفاء، فادعوا الله أن يرد عليّ بصري حتى أراك فإن كنت عزيراً
عرفتك.
قال: فدعا ربه ومسح بیده على عینیھا فصحتا وأخذ بیدھا وقال:
قومي بإذن الله. فأطلق الله رجلیھا فقامت صحیحة كأنما شطت من عقال،
فنظرت فقالت: أشھد أنك عزير.
وانطلقت إلى محلة بني إسرائیل وھم في أنديتھم ومجالسھم، وابن
لعزير شیخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبنى بنیة شیوخ في
المجلس، فنادتھم فقالت: ھذا عزير قد جاءكم. فكذبوھا، فقالت: أنا فلانة
مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي وزعم أن الله أماته مائة
سنة ثم بعثه. قال: فنھض الناس فأقبلوا إلیه فنظروا إلیه فقال ابنه: كان
لأبي شامة سوداء بین كتفیه. فكشف عن كتفیه فإذا ھو عزير. فقالت بنو
إسرائیل: فإنه لم يكن فینا أحد حفظ التوراة فما حدثنا غیر عزير وقد حرق
بختنصر التوراة ولم يبقى منھا شيء إلا ما حفظت الرجال، فاكتبھا لنا وكان
أبوه سروخاً قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غیر عزير،
فانطلق بھم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق
ودرس الكتاب.
قال: وجلس في ظل شجرة وبنوا إسرائیل حوله فجدد لھم التوراة
ونزل من السماء شھابان حتى دخلا جوفه. فتذكر التوراة فجددھا لبني
إسرائیل فمن ثم قالت الیھود: عزير ابن الله، للذي كان من أمر الشھابین
وتجديده التوراة وقیامه بأمر بني إسرائیل، وكان جدد لھم التوراة بأرض
السواد بدير حزقیل، والقرية التي مات فیھا يقال لھا ساير أباذ.
قال ابن عباس: فكان كما قال الله تعالى: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} يعني
لبني إسرائیل، وذلك أنه كان يجلسمع بنیه وھم شیوخ وھو شاب لأنه
مات وھو ابن أربعین سنة فبعثه الله شاباً كھیئته يوم مات.
قال ابن عباس: بعث بعد بختنصر وكذلك قال الحسن وقد أنشد أبو
حاتم السجستاني في معنى ما قاله ابن عباس:
وأسود رأس شاب من قبله ابنه ***ومن قبله ابن ابنه فھو أكبر
يرى ابنه شیخاً يدب على عصاٍ *** ولحیته سوداء و الرأس أشقرٍ
وما لابنه حیل و لا فضل قوةٍ *** يقوم كما يمشي الصبي فیعثر
يعد ابنه في الناس تسعین حجة *** وعشرين لا يجري و لا يتبختر
وعمر أبیه أربعون أمرھا *** ولابن ابنه تسعون في الناس غبر
لما ھو في المعقول أن كنت داريا *** وأن كنت لا تدري فبالجھل تعذر
فصل
المشھور أن عزيراً من أنبیاء بني إسرائیل وأنه كان فیما بین داود
وسلیمان وبین زكريا ويحیى، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائیل من
يحفظ التوراة ألھمه الله حفظھا فسردھا على بني إسرائیل، كما قال وھب
بن منبه: أمر الله ملكاً فنزل بمعرفة من نور فقذفھا في عزير فنسخ التوراة
حرفاً بحرف حتى فرغ منھا.
وروى ابن عساكر عن ابن عباسأنه سأل عبد الله بن سلام عن قول
الله تعالى: {وَقَالَتْ الْیَھُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} لما قالوا ذلك؟ فذكر له ابن سلام
ما كان من كتبه لبني إسرائیل التوراة من حفظه، وقال بني إسرائیل: لم
يستطع موسى أن يأتینا بالتوراة إلا في كتاب وأن عزيراً قد جاءنا بھا من
غیر كتاب. فرماه طوائف منھم وقالوا عزير ابن الله.
ولھذا يقول كثیر من العلماء إن تواتر التوراة انقطع في زمن العزير.
وھذا متجه جداً إذا كان العزير غیر نبي كما قاله عطاء بن أبي رباح
والحسن البصري. وفیما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سلیمان، عن
عطاء، وعن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبیه، ومقاتل عن عطاء بن
أبي رباح قال: كان في الفترة تسعة أشیاء: بختنصر وجنة صنعاء وجنة سبأ
وأصحاب الأخدود وأمر حاصورا وأصحاب الكھف وأصحاب الفیل ومدينة
أنطاكیة وأمر تبع.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعید، عن قتادة، عن الحسن، قال كان
أمر عزير وبختنصر في الفترة.
وقد ثبت في الصحیح أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "إن
أولى الناس بابن مريم لأنا، إنه لیسبیني وبینه نبي".
وقال وھب بن منبه: كان فیما بین سلیمان وعیسى علیھما السلام.
وقد روى ابن عساكر عن أنسبن مالك وعطاء بن السائب أن عزيراً
كان في زمن موسى بن عمران، وأنه استأذن علیه فلم يأذن له، يعني لما
كان من سؤاله عن القدر وأنه انصرف وھو يقول: مائة موتة أھون من ذل
ساعة.
وفي معنى قول عزير مائة موتة أھون من ذل ساعة قول بعض
الشعراء:
قد يصبر الحر على السیف *** ويأنف الصبر على الحیف
ويؤثر الموت على حالة *** يعجز فیھا عن قرى الضیف
فأما ما روى ابن عساكر وغیره عن ابن عباس ونوف البكالي وسفیان
الثوري وغیرھم، من أنه سأل عن القدر فمحى اسمه من ذكر الأنبیاء، فھو
منكر وفي صحته نظر، وكأنه مأخوذ عن الإسرائیلیات.
وقد روى عبد الرزاق وقتیبة بن سعید، عن جعفر بن سلیمان عن أبي
عمران الجوني، عن نوف البكالي قال: قال عزير فیما يناجي ربه: يا رب
تخلق خلقاً فتضل من تشاء وتھدي من تشاء؟ فقیل له: أعرض عن ھذا.
فعاد فقیل له: لتعرضن عن ھذا أو لأمحون اسمك من الأنبیاء، إني لا أسال
عما أفعل وھم يسألون، وھذا ما يقتضي وقوع ما توعد علیه لو عاد فما
مُحي.
وقد روى الجماعة سوى الترمذي من حديث يونسبن يزيد، عن
سعید وأبي سلمة، عن أبي ھريرة. وكذلك رواه شعیب عن أبي الزناد،
عن الأعرج، عن أبي ھريرة، قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم :
نزل نبي من الأنبیاء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجھازه فأخرج من
تحتھا ثم أمر بھا فأحرقت بالنار فأوحى الله إلیه: فھلاّ نملة واحدة فروى
إسحاق بن بشر عن ابن جريج، عن عبد الوھاب بن مجاھد، عن أبیه أنه
عزير، وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري أنه عزير، فالله أعلم.
سوريق بن عدية بن أيوب بن درزنا بن عرى بن تقى بن أسبوع بن فنحاص
بن العازر بن ھارون بن عمران. ويقال عزير بن سروخا جاء في بعض الآثار
أن قبره بدمشق. ثم ساق من طريق أبي القاسم البغوي عن داود بن
عمرو، عن حبان بن علي، عن محمد بن كريب، عن أبیه، عن ابن عباس
مرفوعاً: لا أدري العزير بیع أم لا ولا أدري أعزير كان نبیاً أم لا.
ثم رواه من حديث مأمل بن الحسن، عن محمد بن إسحاق السجزي
عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن سعید المقبري، عن
أبي ھريرة مرفوعاً نحوه.
ثم روى من طريق إسحاق بن بشر، وھو متروك عن جويبر ومقاتل،
عن الضحاك، عن ابن عباس أن عزيراً كان ممن سباه بختنصر وھو غلام
حدث، فلما بلغ أربعین سنة أعطاه الله الحكمة. قال: ولم يكن أحد أحفظ
ولا أعلم بالتوراة منه. قال: وكان يذكر مع الأنبیاء حتى محى الله اسمه من
ذلك حین سأل ربه عن القدر.
وھذا ضعیف ومنقطع ومنكر، والله أعلم.
وقال إسحاق بن بشر، عن سعید، عن أبي عروبة، عن قتادة، عن
الحسن، عن عبد الله بن سلام. أن عزيراً ھو العبد الذي أماته الله مائة عام
ثم بعثه.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعید بن بشیر، عن قتادة، عن كعب
وسعد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن ومقاتل وجويبر، عن الضحاك،
عن ابن عباس وعبد الله بن إسماعیل السدي عن أبیه، عن مجاھد، عن
ابن عباس وإدريس، عن جده وھب بن منبه قال إسحاق كل ھؤلاء
حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضھم على بعض قالوا بإسنادھم إن عزيراً
كان عبداً صالحاً حكیماً خرج ذات يوم إلى ضیعة له يتعاھدھا، فلما انصرف
أتى إلى خربة حین قامت الظھیرة وأصابه الحر، ودخل الخربة وھو على
حماره فنزل عن حماره ومعه سلة فیھا تین وسلة فیھا عنب، فنزل في
ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في
القصعة ثم أخرج خبزاً يابساً معه فألقاه في تلك القصعة في العصیر لیبتل
لیأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجلیه إلى الحائط فنظر سقف تلك
البیوت ورأى ما فیھا وھي قائمة على عروشھا وقد باد أھلھا ورأى عظاماً
بالیة فقال: {أَنَّى يُحْیِي ھَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِھَا} فلم يشك أن الله يحییھا
ولكن قالھا تعجباً فبعث الله مالك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام.
فلما أتت علیه مائة عام، وكانت فیما بین ذلك في بني إسرائیل أمور
وأحداث. قال: فبعث الله إلى عزير ملكاً فخلق قلبه لیعقل قلبه وعینیه
لینظر بھما فیعقل كیف يحیي الله الموتى. ثم ركب خلفه وھو ينظر، ثم
كسى عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فیه الروح كل ذلك وھو يرى
ويعقل، فاستوى جالساً فقال له الملك كم لبثت؟ قال لبثت يوماً أو بعض
يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النھار عند الظھیرة وبعث في آخر النھار
والشمسلم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم لي يوم. فقال له الملك: بل
لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز الیابس،
وشرابه العصیر الذي كان اعتصره في القصعة فإذا ھما على حالھما لم
يتغیر العصیر والخبز يابس، فذلك قوله {لَمْ يَتَسَنَّهْ} يعني لم يتغیر، وكذلك
التین والعنب غض لم يتغیر شيء من حالھما فكأنه أنكر في قلبه فقال له
الملك: أنكرت ما قلت لك؟ فانظر إلى حمارك. فنظر إلى حماره قد بلیت
عظامه وصارت نخرة. فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل
ناحیة حتى ركبه الملك وعزير ينظر إلیه ثم ألبسھا العروق والعصب ثم
كساھا اللحم ثم أنبت علیھا الجلد والشعر، ثم نفخ فیه الملك فقام الحمار
رافعاً رأسه وأذنیه إلى السماء ناھقاً يظن القیامة قد قامت. فذلك قوله
{وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَیْفَ نُنشِزُھَا ثُمَّ
نَكْسُوھَا لَحْماً} يعني وانظر إلى عظام حمارك كیف يركب بعضھا بعضاً في
أوصالھا حتى إذا صارت عظاماً مصوراً حماراً بلا لحم، ثم انظر كیف نكسوھا
لحماً {فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من إحیاء
الموتى وغیره.
قال: فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر
منزله، فانطلق على وھم منه حتى أتى منزله، فإذا ھو بعجوز عمیاء
مقعدة قد أتى علیھا مائة وعشرون سنة كانت أمة لھم، فخرج عنھم عزير
وھي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته، فلما أصابھا الكبر أصابھا
الزمان، فقال لھا عزير: يا ھذه أھذا منزل عزير قالت: نعم ھذا منزل عزير.
فبكت وقالت: ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً وقد نسیه الناس.
قال إني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت: سبحان الله!
فإن عزيراً قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير
قالت: فإن عزيراً رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء
بالعافیة والشفاء، فادعوا الله أن يرد عليّ بصري حتى أراك فإن كنت عزيراً
عرفتك.
قال: فدعا ربه ومسح بیده على عینیھا فصحتا وأخذ بیدھا وقال:
قومي بإذن الله. فأطلق الله رجلیھا فقامت صحیحة كأنما شطت من عقال،
فنظرت فقالت: أشھد أنك عزير.
وانطلقت إلى محلة بني إسرائیل وھم في أنديتھم ومجالسھم، وابن
لعزير شیخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبنى بنیة شیوخ في
المجلس، فنادتھم فقالت: ھذا عزير قد جاءكم. فكذبوھا، فقالت: أنا فلانة
مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي وزعم أن الله أماته مائة
سنة ثم بعثه. قال: فنھض الناس فأقبلوا إلیه فنظروا إلیه فقال ابنه: كان
لأبي شامة سوداء بین كتفیه. فكشف عن كتفیه فإذا ھو عزير. فقالت بنو
إسرائیل: فإنه لم يكن فینا أحد حفظ التوراة فما حدثنا غیر عزير وقد حرق
بختنصر التوراة ولم يبقى منھا شيء إلا ما حفظت الرجال، فاكتبھا لنا وكان
أبوه سروخاً قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غیر عزير،
فانطلق بھم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق
ودرس الكتاب.
قال: وجلس في ظل شجرة وبنوا إسرائیل حوله فجدد لھم التوراة
ونزل من السماء شھابان حتى دخلا جوفه. فتذكر التوراة فجددھا لبني
إسرائیل فمن ثم قالت الیھود: عزير ابن الله، للذي كان من أمر الشھابین
وتجديده التوراة وقیامه بأمر بني إسرائیل، وكان جدد لھم التوراة بأرض
السواد بدير حزقیل، والقرية التي مات فیھا يقال لھا ساير أباذ.
قال ابن عباس: فكان كما قال الله تعالى: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} يعني
لبني إسرائیل، وذلك أنه كان يجلسمع بنیه وھم شیوخ وھو شاب لأنه
مات وھو ابن أربعین سنة فبعثه الله شاباً كھیئته يوم مات.
قال ابن عباس: بعث بعد بختنصر وكذلك قال الحسن وقد أنشد أبو
حاتم السجستاني في معنى ما قاله ابن عباس:
وأسود رأس شاب من قبله ابنه ***ومن قبله ابن ابنه فھو أكبر
يرى ابنه شیخاً يدب على عصاٍ *** ولحیته سوداء و الرأس أشقرٍ
وما لابنه حیل و لا فضل قوةٍ *** يقوم كما يمشي الصبي فیعثر
يعد ابنه في الناس تسعین حجة *** وعشرين لا يجري و لا يتبختر
وعمر أبیه أربعون أمرھا *** ولابن ابنه تسعون في الناس غبر
لما ھو في المعقول أن كنت داريا *** وأن كنت لا تدري فبالجھل تعذر
فصل
المشھور أن عزيراً من أنبیاء بني إسرائیل وأنه كان فیما بین داود
وسلیمان وبین زكريا ويحیى، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائیل من
يحفظ التوراة ألھمه الله حفظھا فسردھا على بني إسرائیل، كما قال وھب
بن منبه: أمر الله ملكاً فنزل بمعرفة من نور فقذفھا في عزير فنسخ التوراة
حرفاً بحرف حتى فرغ منھا.
وروى ابن عساكر عن ابن عباسأنه سأل عبد الله بن سلام عن قول
الله تعالى: {وَقَالَتْ الْیَھُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} لما قالوا ذلك؟ فذكر له ابن سلام
ما كان من كتبه لبني إسرائیل التوراة من حفظه، وقال بني إسرائیل: لم
يستطع موسى أن يأتینا بالتوراة إلا في كتاب وأن عزيراً قد جاءنا بھا من
غیر كتاب. فرماه طوائف منھم وقالوا عزير ابن الله.
ولھذا يقول كثیر من العلماء إن تواتر التوراة انقطع في زمن العزير.
وھذا متجه جداً إذا كان العزير غیر نبي كما قاله عطاء بن أبي رباح
والحسن البصري. وفیما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سلیمان، عن
عطاء، وعن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبیه، ومقاتل عن عطاء بن
أبي رباح قال: كان في الفترة تسعة أشیاء: بختنصر وجنة صنعاء وجنة سبأ
وأصحاب الأخدود وأمر حاصورا وأصحاب الكھف وأصحاب الفیل ومدينة
أنطاكیة وأمر تبع.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعید، عن قتادة، عن الحسن، قال كان
أمر عزير وبختنصر في الفترة.
وقد ثبت في الصحیح أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "إن
أولى الناس بابن مريم لأنا، إنه لیسبیني وبینه نبي".
وقال وھب بن منبه: كان فیما بین سلیمان وعیسى علیھما السلام.
وقد روى ابن عساكر عن أنسبن مالك وعطاء بن السائب أن عزيراً
كان في زمن موسى بن عمران، وأنه استأذن علیه فلم يأذن له، يعني لما
كان من سؤاله عن القدر وأنه انصرف وھو يقول: مائة موتة أھون من ذل
ساعة.
وفي معنى قول عزير مائة موتة أھون من ذل ساعة قول بعض
الشعراء:
قد يصبر الحر على السیف *** ويأنف الصبر على الحیف
ويؤثر الموت على حالة *** يعجز فیھا عن قرى الضیف
فأما ما روى ابن عساكر وغیره عن ابن عباس ونوف البكالي وسفیان
الثوري وغیرھم، من أنه سأل عن القدر فمحى اسمه من ذكر الأنبیاء، فھو
منكر وفي صحته نظر، وكأنه مأخوذ عن الإسرائیلیات.
وقد روى عبد الرزاق وقتیبة بن سعید، عن جعفر بن سلیمان عن أبي
عمران الجوني، عن نوف البكالي قال: قال عزير فیما يناجي ربه: يا رب
تخلق خلقاً فتضل من تشاء وتھدي من تشاء؟ فقیل له: أعرض عن ھذا.
فعاد فقیل له: لتعرضن عن ھذا أو لأمحون اسمك من الأنبیاء، إني لا أسال
عما أفعل وھم يسألون، وھذا ما يقتضي وقوع ما توعد علیه لو عاد فما
مُحي.
وقد روى الجماعة سوى الترمذي من حديث يونسبن يزيد، عن
سعید وأبي سلمة، عن أبي ھريرة. وكذلك رواه شعیب عن أبي الزناد،
عن الأعرج، عن أبي ھريرة، قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم :
نزل نبي من الأنبیاء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجھازه فأخرج من
تحتھا ثم أمر بھا فأحرقت بالنار فأوحى الله إلیه: فھلاّ نملة واحدة فروى
إسحاق بن بشر عن ابن جريج، عن عبد الوھاب بن مجاھد، عن أبیه أنه
عزير، وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري أنه عزير، فالله أعلم.
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى