قصة نوح عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
قََََََصَصُ الأنْبِیَاءِ
للإمام ابن الحافظ ابن كثیر
قصة نوح علیه السلام
ھو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وھو إدريس- بن يرد بن مھلايیل
بن قینن بن أنوش بن شیث بن آدم أبي البشر علیه السلام.
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، فیما ذكره ابن
جرير وغیره.
وعلى تاريخ أھل الكتاب المتقدم يكون بین مولد نوح وموت آدم مائة
وست وأربعون سنة، وكان بینھما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن
حبان في "صحیحه": حَدَّثَنا مُحَمْد بن عمر بن يوسف، حَدَّثَنا مُحَمْد بن عبد
الملك بن زنجويه، حَدَّثَنا أبو توبة، حَدَّثَنا معاوية بن سلام، عن أخیه زيد بن
سلام، سمعت أبا سلام سمعت أبا أمامه: أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي
كان آدم؟ قال: نعم مكلم. قال: فكم كان بینه وبن نوح؟ قال عشرة قرون.
قلت: وھذا على شرط مسلم ولم يخرجه.
وفي صحیح البُخَاريّ عن ابن عبَّاس قال: كان بین آدم ونوح عشرة قرون
كلھم على الإسلام.
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما ھو المتبادر عند كثیر من الناس -
فبینھما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قید به ابن
عبَّاس بالإسلام، إذ قد يكون بینھما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على
الإسلام، لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون، وزادنا ابن
عبَّاس أنھم كلھم كانوا على الإسلام.
وھذا يرد قول من زعم من أھل التواريخ وغیرھم من أھل الكتاب: أن
قابیل وبنیه عبدوا النار. والله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجیل من الناس كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَھْلَكْنَا
مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} وقوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِھِمْ قَرْناً آخَرِينَ} وقال
تعالى: {وَقُرُوناً بَیْنَ ذَلِكَ كَثِیراً} وقال: {وَكَمْ أَھْلَكْنَا قَبْلَھُمْ مِنْ قَرْنٍ} وكقوله
علیه السلام: "خیر القرون قرني". الحديث، فقد كان الجیل قبل نوح يعمرون
الدھور الطويلة، فعلى ھذا يكون بین آدم ونوح ألوف من السنین. والله أعلم.
وبالجملة فنوح علیه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام
والطواغیت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد فكان
أول رسول بعث إلى أھل الأرض، كما يقول أھل الموقف يوم القیامة.
وكان قومه يقال لھم بنو راسب فیما ذكره ابن جبیر وغیره.
واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث، فقیل كان ابن خمسین سنة، وقیل
ابن ثلاثمائة وخمسین سنة، وقیل ابن أربعمائة وثمانین سنة حكاھا ابن
جرير، وعزا الثالثة منھا إلى ابن عبَّاس.
وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب
بالطوفان، وكیف أنجاه وأصحاب السفینة، في غیر ما موضع من كتابه العزيز:
ففي الأعراف ويونس وھود والأنبیاء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات
واقتربت، وأنزل فیه سورة كاملة.
فقال في سورة الأعراف: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَیْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِیمٍ. قَالَ الْمَلأُ مِنْ
قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِینٍ. قَالَ يَا قَوْمِ لَیْسَبِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ
رَبِّ الْعَالَمِینَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِیُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ. فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَیْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
إِنَّھُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِینَ}.
وقال تعالى في سورة يونس: {وَاتْلُ عَلَیْھِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ
إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَیْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِیرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَیْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِي.
فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ
الْمُسْلِمِینَ. فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّیْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاھُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَیْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}.
وقال تعالى في سورة ھود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ
مُبِینٌ. أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَیْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِیمٍ. فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ ھُمْ أَرَاذِلُنَا
بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَیْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِینَ. قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كُنتُ عَلَى بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّیَتْ عَلَیْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوھَا
وَأَنْتُمْ لَھَا كَارِھُونَ. وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَیْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا
بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّھُمْ مُلاقُو رَبِّھِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْھَلُونَ. وَيَا قَوْمِ مَنْ
يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُھُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا
أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْیُنُكُمْ لَنْ يُؤتِْیَھُمْ اللَّهُ
خَیْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِھِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِینَ. قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا
فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِینَ. قَالَ إِنَّمَا يَأْتِیكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ
شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ھُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ
إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ. وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ
مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْبِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْیُنِنَا وَوَحْیِنَا وَلا
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّھُمْ مُغْرَقُونَ. وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَیْهِ مَلأٌ مِنْ
قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ. فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِیهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَیْهِ عَذَابٌ مُقِیمٌ. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِیھَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَأَھْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ
وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِیلٌ. وَقَالَ ارْكَبُوا فِیھَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاھَا وَمُرْسَاھَا
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِیمٌ. وَھِيَ تَجْرِي بِھِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ
فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَْعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ. قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَیْنَھُمَا
الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِینَ. وَقِیلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِیضَ
الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِیلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ. وَنَادَى
نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَھْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِینَ.
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَھْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَیْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاھِلِینَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا
لَیْسَلِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغفِْرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ. قِیلَ يَا نُوحُ اھْبِطْ
بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَیْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُھُمْ ثُمَّ يَمَسُّھُمْ
مِنَّا عَذَابٌ أَلِیمٌ. تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیھَا إِلَیْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُھَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ
مِنْ قَبْلِ ھَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ}.
وقال تعالى في سورة الأنبیاء: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَنَجَّیْنَاهُ وَأَھْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِیمِ. وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّھُمْ
كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاھُمْ أَجْمَعِینَ}.
وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ
فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ، فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا ھَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَیْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِھَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِینَ، إِنْ ھُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا
بِهِ حَتَّى حِینٍ، قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، فَأَوْحَیْنَا إِلَیْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ
بِأَعْیُنِنَا وَوَحْیِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِیھَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ
وَأَھْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ مِنْھُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّھُمْ
مُغْرَقُونَ، فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا
مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَیْرُ الْمُنزِلِینَ، إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِینَ}.
وقال تعالى في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ. إِذْ قَالَ لَھُمْ
أَخُوھُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِیعُونِ. وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِینَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِیعُونِي. قَالُوا
أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ. قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسَابُھُمْ إِلاَّ
عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ. وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِینَ. إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِینٌ. قَالُوا لَئِنْ
لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِینَ. قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِي. فَافْتَحْ بَیْنِي
وَبَیْنَھُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِینَ. فَأَنجَیْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِینَ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُھُمْ مُؤْمِنِینَ.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَھُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِیمُ}.
وقال تعالى في سورة العنكبوت: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ
فِیھِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عَاماً فَأَخَذَھُمْ الطُّوفَانُ وَھُمْ ظَالِمُونَ. فَأَنجَیْنَاهُ
وَأَصْحَابَ السَّفِینَةِ وَجَعَلْنَاھَا آيَةً لِلْعَالَمِینَ}.
وقال تعالى في سورة والصافات: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِیبُونَ.
وَنَجَّیْنَاهُ وَأَھْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِیمِ. وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ ھُمْ الْبَاقِینَ. وَتَرَكْنَا عَلَیْهِ فِي
الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِینَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِینَ. إِنَّهُ مِنْ
عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِینَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ}.
وقال تعالى في سورة اقتربت: {كَذَّبَتْ قَبْلَھُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا
مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ. فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ. فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ
مُنْھَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُیُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ
أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْیُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تَرَكْنَاھَا آيَةً فَھَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ. فَكَیْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ.وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَھَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
وقال تعالى: {بسم الله الرحمن الرحیم، إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ
قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِیَھُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ، قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِینٌ، أَنْ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِي، يَغفِْرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ
قَوْمِي لَیْلاً وَنَھَاراً، فَلَمْ يَزِدْھُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُھُمْ لِتَغفِْرَ لَھُمْ
جَعَلُوا أَصَابِعَھُمْ فِي آذَانِھِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِیَابَھُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً، ثُمَّ
إِنِّي دَعَوْتُھُمْ جِھَاراً، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَھُمْ وَأَسْرَرْتُ لَھُمْ إِسْرَاراً، فَقُلْتُ اسْتَغفِْرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَیْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِینَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْھَاراً، مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً، وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أَطْوَاراً أَلَمْ تَرَوْا كَیْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِیھِنَّ نُوراً
وَجَعَلَ الشَّمْسَسِرَاجاً، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً، ثُمَّ يُعِیدُكُمْ فِیھَا
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً، لِتَسْلُكُوا مِنْھَا سُبُلاً فِجَاجاً،
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّھُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً، وَمَكَرُوا
مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِھَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ
وَنَسْراً، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِیراً وَلاَ تَزِدْ الظَّالِمِینَ إِلاَّ ضَلاَلاً، مِمَّا خَطِیئَاتِھِمْ أُغْرِقُوا
فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَھُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً، وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى
الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْھُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَیْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدْ
الظَّالِمِینَ إِلاَّ تَبَاراً}.
وقد تكلمنا على كل موضع من ھذه في التفسیر. وسنذكر مضمون
القصة مجموعاً من ھذه الأماكن المتفرقة، ومما دلت علیه الأحاديث والآثار.
وقد جرى ذكره أيضاً في مواضع متفرقة من القرآن فیھا مدحه وذم من
خالفه، فقال تعالى في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَیْنَا إِلَیْكَ كَمَا أَوْحَیْنَا إِلَى نُوحٍ
وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَیْنَا إِلَى إِبْرَاھِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ
وَعِیسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَوَھَارُونَ وَسُلَیْمَانَ وَآتَیْنَا دَاوُودَ زَبُوراً، وَرُسُلاً قَدْ
قَصَصْنَاھُمْ عَلَیْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْھُمْ عَلَیْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِیماً،
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ
اللَّهُ عَزِيزاً حَكِیماً}.
وقال في سورة الأنعام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاھَا إِبْرَاھِیمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمٌ، وَوَھَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاُّ ھَدَيْنَا
وَنُوحاً ھَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَیْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى
وَھَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِینَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْیَى وَعِیسَى وَإِلْیَاسَ كُلٌّ مِنْ
الصَّالِحِینَ، وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِینَ وَمِنْ
آبَائِھِمْ وَذُرِّيَّاتِھِمْ وَإِخْوَانِھِمْ وَاجْتَبَیْنَاھُمْ وَھَدَيْنَاھُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ}. الآيات.
وتقدمت قصته في الأعراف.
وقال في سورة براءة: {أَلَمْ يَأْتِھِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِھِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ
وَقَوْمِ إِبْرَاھِیمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْھُمْ رُسُلُھُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ
لِیَظْلِمَھُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَھُمْ يَظْلِمُونَ}.
وتقدمت قصته في يونسوھود.
وقال في سورة إبراھیم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ
وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِھِمْ لَا يَعْلَمُھُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْھُمْ رُسُلُھُمْ بِالْبَیِّنَاتِ فَرَدُّوا
أَيْدِيَھُمْ فِي أَفْوَاھِھِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا
إِلَیْهِ مُرِيبٍ}.
وقال في سورة سبحان: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً
شَكُوراً}وقال فیھا أيضاً: {وَكَمْ أَھْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِیراً بَصِیراً}.
وتقدمت قصته في الأنبیاء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت.
وقال في سورة الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِیِّینَ مِیثَاقَھُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ
وَإِبْرَاھِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْھُمْ مِیثَاقاً غَلِیظاً}. وقال في
سورة ص: {كَذَّبَتْ قَبْلَھُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ، وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ
وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ، إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ}.
وقال في سورة غافر: {كَذَّبَتْ قَبْلَھُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِھِمْ وَھَمَّتْ
كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِھِمْ لِیَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُھُمْ فَكَیْفَ
كَانَ عِقَاب، وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّھُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
وقال في سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي
أَوْحَیْنَا إِلَیْكَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاھِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّينَ وَلاَ
تَتَفَرَّقُوا فِیهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِینَ مَا تَدْعُوھُمْ إِلَیْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَیْهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَھْدِي إِلَیْهِ مَنْ يُنِیبُ}.
وقال تعالى في سورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَھُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ،
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ
وَعِیدِ}.
وقال في الذاريات: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّھُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِینَ}.
وقال في النجم: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّھُمْ كَانُوا ھُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}.
وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة.
وقال تعالى في سورة الحديد: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاھِیمَ وَجَعَلْنَا فِي
ذُرِّيَّتِھِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْھُمْ مُھْتَدٍ وَكَثِیرٌ مِنْھُمْ فَاسِقُونَ}.
وقال تعالى في سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ
وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَیْنِ فَخَانَتَاھُمَا فَلَمْ يُغْنِیَا عَنْھُمَا
مِنْ اللَّهِ شَیْئاً وَقِیلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ}.
وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب والسنة والآثار، فقد
قدمنا عن ابن عبَّاس: أنه كان بین آدم ونوح عشرة قرون كلھم على الإسلام،
رواه البُخَاريّ. وذكرنا أن المراد بالقرن الجیل أو المدة على ما سلف.
ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأھل ذلك
الزمان إلى عبادة الأصنام.
وكان سبب ذلك ما رواه البُخَاريّ من حديث ابن جُرَيْج عن عطاء عن ابن
عبَّاس عند تفسیر قوله تعالى: {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِھَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً
وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}. قال: ھذه أسماء رجال صالحین من قوم نوح، فلما
ھلكوا أوحى الشّیْطان إلى قومھم أن انصبوا إلى مجالسھم التي كانوا
يجلسون فیھا أنصاباً وسموھا بأسمائھم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا ھلك
أولئك وانتسخ العلم عبدت.
قال ابن عبَّاس: وصارت ھذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب
بعد.
وھكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومُحَمْد بن اسحاق.
وقال ابن جرير "تفسیره": حَدَّثَنا ابن حمید، حَدَّثَنا مھران، عن سفیان،
عن موسى، عن مُحَمْد بن قیسقال: كانوا قوماً صالحین بین آدم ونوح وكان
لھم أتباع يقتدون بھم، فلما ماتوا قال أصحابھم الذين كانوا يقتدون بھم: لو
صورناھم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناھم، فصوروھم. فلما ماتوا وجاء
آخرون دب إلیھم إبلیس فقال: إنما كانوا يعبدونھم وبھم يسقون المطر.
فعبدوھم.
وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبیر أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع
ونسر، أولاد آدم، وكان "ود" أكبرھم وأبرھم به.
قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنا أحمد بن منصور، حَدَّثَنا الحسن بن موسى؛
حَدَّثَنا يعقوب عن أبي المطھر، قال: ذكروا عند أبي جعفر - ھو الباقر - وھو
قائم يصلي يزيد بن المھلب، قال فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن
المھلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فیھا غیر الله تعالى. قال ذكر وداً قال:
كان رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض
بابل وجزعوا علیه، فلما رأى إبلیس جزعھم علیه تشبه في صورة إنسان ثم
قال: إني أرى جزعكم على ھذا الرجل، فھل لكم أن أصور لكم مثله فیكون
في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم. فصور لھم مثله، قال: فوضعوه في
ناديھم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بھم من ذكره قال: ھل لكم أجعل في
منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله لیكون له في بیته فتذكرونه؟ قالوا: نعم.
قال: فمثل لكل أھل بیت تمثاله مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به. قال: وأدرك
أبناؤھم فجعلوا يرون ما يصنعون به، قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرھم إياه
حتى اتخذوه إلھاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادھم، فكان أول ما عبد غیر
الله "ود" الصنم الذي سموه وداً.
ومقتضى ھذا السیاق أن كل صنم من ھذه عبده طائفة من الناس. وقد
ذكر أنه لما تطاولت العھود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثیل مجسدة لیكون
أثبت لھم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. ولھم في عبادتھا مسالك
كثیرة جداً قد ذكرنا في مواضعھا من كتابنا التفسیر. ولله الحمد والمنة.
وقد ثبت في "الصحیحین" عن رسول الله صلى الله علیه وسلم : أنه لما
ذكرت عنده أم سلمة وأم حبیبة، تلك الكنیسة التي رأينھا بأرض الحبشة،
ويقال لھا مارية، وذكرتا من حسنھا وتصاوير فیھا قال: "أولئك إذا مات فیھم
الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فیه تلك الصورة، أولئك شرار
الخلق عند الله عز وجل".
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض، وعم البلاد بعبادة الأصنام
فیھا، بعث الله عبده ورسوله نوحاً علیه السلام، يدعو إلى عبادة الله وحده لا
شريك له، وينھي عن عبادة ما سواه.
فكان أول رسول بعثه الله إلى أھل الأرض، كما ثبت في "الصحیحین" من
حديث ابن حبان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي ھريرة عن النبي
صلى الله علیه وسلم في حديث الشفاعة قال: "فیأتون آدم فیقولون: يا آدم
أنت أبو البشر، خلقك الله بیده، ونفخ فیك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا
لك وأسكنك الجنَّة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فیه وما بلغنا؟
فیقول: ربي قد غضب غضباً شديداً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده
مثله، ونھاني عن شجرة فعصیت، نفسي نفسي. اذھبوا إلى غیري، اذھبوا
إلى نوح.
فیأتون نوحاً فیقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أھل الأرض، وسمّاك
الله عبداً شكورا، ألا ترى إلى ما نحن فیه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا
إلى ربك عز وجل؟ فیقول: ربي قد غضب الیوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا
يغضب بعده مثله، نفسي نفسي، وذكر تمام الحديث بطوله كما أورده
البُخَاريّ في قصة نوح.
فلما بعث الله نوحاً علیه السلام، دعاھم إلى إفراد عبادة الله وحده لا
شريك له، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً ولا طاغوتاً وأن يعترفوا بوحدانیته،
وأنه لا إله غیره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذين
ھم كلھم من ذريته، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ ھُمْ الْبَاقِینَ}. وقال فیه
وفي إبراھیم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِھِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي كل نبي من بعد نوح
فمن ذريته. وكذلك إبراھیم.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ}. وقال تعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ
دُونِ الرَّحْمَانِ آلِھَةً يُعْبَدُونَ}. وقال تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ
نُوحِي إِلَیْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
ولھذا قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَیْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ عَظِیمٍ} وقال: {أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَیْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
أَلِیمٍ}. وقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} وقال: {قَالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِینٌ، أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِ} إلى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أَطْوَاراً} الآيات الكريمات.
فذكر أنھم دعاھم إلى الله بأنواع الدعوة في اللیل والنھار، والسر
والاجھار، بالترغیب تارة والترھیب أخرى، وكل ھذا لم ينجح فیھم، بل استمر
أكثرھم على الضلالة والطغیان وعبادة الأصنام والأوثان. ونصبوا له العداوة في
كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدھم بالرجم والإخراج،
ونالوا منھم وبالغوا في أمرھم.
[color:c7af=#ff333
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى