منتديات عدن سات
باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى   5wz1qh10
منتديات عدن سات
باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى   5wz1qh10
الإعلانات
الرجاء الانتظار قليلاً حتى يتم تحميل محرك البحث
مرحباً بك : للتصفح بشكل اسرع للمنتدى قم بتحمل متصفح فرفكس الاصدار الاخير من هنا

<div style="background-color: #000000;"><a href="http://news.rsspump.com/" title="rsspump">news</a></div>
انقر هنا من اجل دعوة اصدقائك على الفيسبوك

باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

admin
admin




الساعة الآن :
نوع المهنة : باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى   Progra10
نوع المتصفح : باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى   Fmfire10
الهوايات : المطالعة
المزاج : مستمتع
الدولة الدولة : اليمن
المحافظه :
  • محافظة عدن

إحترام قوانين المنتدى إحترام قوانين المنتدى : 1
الجنس الجنس : ذكر
عدد المساهمات عدد المساهمات : 432
نقاظ نشاط العضو نقاظ نشاط العضو : 14518
تقييم العضو تقييم العضو : 16
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 05/06/2013
https://armgedon.yoo7.com

مُساهمةadmin الثلاثاء 18 يونيو - 2:56:33

باب ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل بعد داود وسلیمان وقبل زكريا ويحیى   Uouou_10
قََََََصَصُ الأنْبِیَاءِ


للإمام ابن الحافظ ابن كثیر




باب ذكر جماعة من أنبیاء بنيإسرائیل بعد داود وسلیمان
وقبل زكريا ويحیى







ذكر جماعة من أنبیاء بني إسرائیل علیھم السلام ممن لا يعلم وقت
زمانھم على التعیین إلا أنھم بعد داود وسلیمان علیھما السلام وقبل زكريا
ويحیى علیھما السلام
فمنھم شعیا بن أمصیا. قال محمد بن إسحاق: وكان قبل زكريا ويحیى
وھو ممن بشر بعیسى ومحمد علیھما السلام.
وكان في زمانه ملك اسمه حزقیا على بني إسرائیل ببلاد بیت
المقدس، وكان سامعاً مطیعاً لشعیا فیما يأمره به وينھاه عنه من
المصالح، وكانت الأحداث قد عظمت في بني إسرائیل، فمرض الملك
وخرجت في رجله قرحة، وقصد بیت المقدس ملك بابل في ذلك الزمان
وھو سنحاريب. قال ابن إسحاق: في ستمائة ألف راية.
وفزع الناس فزعاً عظیماً شديداً. وقال الملك للنبي شعیا: ماذا أوحى
الله إلیك في أمر سنحاريب وجنوده؟ فقال: لم يوح إليّ فیھم شيء بعد.
ثم نزل علیه الوحي بالأمر للملك حزقیا بأن يوصي ويستخلف على ملكه
من يشاء، فإنه قد اقترب أجله. فلما أخبره بذلك أقبل الملك على القبلة
فصلى وسبح ودعا وبكى، فقال ھو يبكي ويتضرع إلى الله عز وجل بقلب
مخلص وتوكل وصبر: اللھم رب الأرباب وإله الآلھة يا رحمن يا رحیم، يا من
لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني
إسرائیل وذلك كله كان منك فأنت أعلم به من نفسي، سري وإعلاني لك.
قال: فاستجاب الله له ورحمه، وأوحى الله إلى شعیا أن يبشره بأنه قد
رحم بكاءه، وقد أخر في أجله خمس عشرة سنة، وأنجاه من عدوه
سنحاريب. فلما قال له ذلك ذھب منه الوجع وانقطع عنه الشر والحزن
وخر ساجداً وقال في سجوده: اللھم أنت الذي تعطي الملك من تشاء
وتنزعه ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، عالم الغیب والشھادة،
فأنت الأول والآخر، والظاھر والباطن، وأنت ترحم وتستجیب دعوة
المضطرين.
فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعیا أن يأمره أن يأخذ ماء التین
فیجعله على قرحته فیشفى ويصبح قد برئ. ففعل ذلك فشفي. وأرسل
الله على جیشسنحاريب الموت، فأصبحوا وقد ھلكوا كلھم سوى
سنحاريب وخمسة من أصحابه، منھم بختنصر، فأرسل ملك بني إسرائیل
فجاء بھم، فجعلھم في الأغلال، وطاف بھم في البلاد على وجه التنكیل
بھم، والإھانة لھم، سبعین يوماً، ويطعم كل واحد منھم كل يوم رغیفین
من شعیر، ثم أودعھم السجن، وأوحى الله تعالى إلى شعیا: أن يأمر
الملك بإرسالھم إلى بلادھم، لینذروا قومھم ما قد حلّ بھم، فلما رجعوا
جمع سنحاريب قومه وأخبرھم بما قد كان من أمرھم فقال له السحرة
والكھنة: إنا أخبرناك عن شأن ربھم وأنبیائھم فلم تطعنا، وھي أمة لا
يستطیعھا أحد من ربھم، فكان أمر سنحاريب مما خوفھم الله به. ثم مات
سنحاريب بعد سبع سنین.
قال ابن إسحاق: ثم لما مات حزقیا ملك بني إسرائیل مرج أمرھم،
واختلطت أحداثھم، وكثر شرھم، فأوحى الله تعالى إلى شعیا، فقام
فیھم، فوعظھم وذكّرھم، وأخبرھم عن الله بما ھو أھله، وأنذرھم بأسه
وعقابه إن خالفوه وكذبوه. فلما فرغ من مقالته عَدوا علیه، وطلبوه لیقتلوه،
فھرب منھم فمر بشجرة فانفلقت له، فدخل فیھا وأدركه الشیطان فأخذ
بھدبة ثوبه فأبرزھا فلما رأوا ذلك جاءوا بالمنشار فوضعوه على الشجرة
فنشروھا ونشروه معھا فإنا لله وإنا إلیه راجعون.
ومنھم أرمیا بن حلقیا من سبط لاوى بن يعقوب
وقد قیل إنه الخضر. رواه الضحاك عن ابن عباس. وھو غريب ولیس
بصحیح.
قال ابن عساكر: جاء في بعض الآثار أنه وقف على دم يحیى بن زكريا
وھو يفور بدمشق فقال: أيھا الدم فتنت الناس فاسكن. فسكن ورسب
حتى غاب.
وقال أبو بكر بن أبي الدنیا: حدثني عليّ بن أبي مريم، عن أحمد بن
حباب، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال أرمیا: أي رب... أي عبادك
أحب إلیك؟ قال: أكثرھم لي ذكراً، الذين يشتغلون بذكري عن ذكر
الخلائق، الذين لا تعرض لھم وساوس الفناء ولا يحدثون أنفسھم بالبقاء،
الذين إذا عرض لھم عیشالدنیا قلوه وإذا زوى عنھم سروا بذلك، أولئك
أنحلھم محبتي وأعطیھم فوق غاياتھم.
ذكر خراب بیت المقدس
وقوله تعالى: {وَآتَیْنَا مُوسَى الكِْتَابَ وَجَعَلْنَاهُ ھُدًى لِبَنِي إسرائِیلَ أَلاَّ
تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِیلاً، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً،
وَقَضَیْنَا إِلَى بَنِي إسرائِیلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَلَتَعلُْنَّ
علُُوّاً كَبِیراً، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاھُمَا بَعَثْنَا عَلَیْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَیھِْمْ
وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِینَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِیراً، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ
لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَھَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِیَسُوءُوا وُجُوھَكُمْ وَلِیَدْخُلُوا
الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِیُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِیراً، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ
يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَھَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِیراً}.
وقال وھب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبیاء بني إسرائیل يقال
له أرمیا حین ظھرت فیھم المعاصي: أن قم بین ظھراني قومك فأخبرھم
أن لھم قلوباً ولا يفقھون، وأعیناً ولا يبصرون، وآذاناً ولا يسمعون، وإني
تذكرت صلاح آبائھم، فعطفني ذلك على أبنائھم، فسلھم كیف وجدوا غِبَّ
طاعتي، وھل سعد أحد ممن عصاني بمعصیتي، وھل شقي أحد ممن
أطاعني بطاعتي؟ إن الدواب تذكر أوطانھا فتنزع إلیھا وإن ھؤلاء القوم تركوا
الأمر الذي أكرمت علیه آباءھم، والتمسوا الكرامة من غیر وجھھا، أما
أحبارھم فأنكروا حقي، وأما قراؤھم فعبدوا غیري، وأما نُساكھم فلم
ينتفعوا بما علموا، وأما ولاتھم فكذبوا عليَّ وعلى رسلي، خزنوا المكر في
قلوبھم وعودوا الكذب ألسنتھم وإني أقسم بجلالي وعزتي لأھیجن
علیھم جیولاً لا يفقھون ألسنتھم ولا يعرفون وجوھھم ولا يرحمون بكاءھم،
ولأبعثن فیھم ملكاً جباراً قاسیاً له عساكر كقطع السحاب، ومواكب كأمثال
الفجاج، كأن خفقان راياته طیران النسور، وكأن حمل فرسانه كَرُّ العقبان،
يعیدون العمران خراباً، ويتركون القرى وحشة، فیا ويل إيلیا وسكانھا، كیف
أذللھم للقتل، وأسلط علیھم السبا، وأعید بعد لجب الأعراس صراخاً، وبعد
صھیل الخیل عواء الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكن السباع، وبعد ضوء
السرج وھج العجاج، وبالعز الذل وبالنعمة العبودية، وأبدلن نساءھم بعد
الطیب التراب، وبالمشي على الزرابي الخبب، ولأجعلن أجسادھم زبلاً
للأرض، وعظامھن ضاحیة للشمس، ولأدوسنھم بألوان العذاب، ثم لآمرن
السماء فتكون طبقاً من حديد، والأرض سبیكة من نحاس، فإن أمطرت لم
تنبت الأرض، وإن أنبتت شیئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبھائم، ثم أحبسه
في زمان الزرع، وأرسله في زمان الحصاد، فإن زرعوا في خلال ذلك شیئاً
سلطت علیه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة، فإن دعوني
لم أجبھم، وإن سألوا لم أعطھم، وإن بكوا لم أرحمھم، وإن تضرعوا صرفت
وجھي عنھم.
رواه ابن عساكر بھذا اللفظ.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا إدريس، عن وھب بن منبه، قال: إن الله
تعالى لما بعث أرمیا إلى بني إسرائیل وذلك حین عظمت الأحداث فیھم
فعملوا بالمعاصي، وقتلوا الأنبیاء، طمع بختنصر فیھم، وقذف الله في قلبه،
وحدَّث نفسه بالمسیر إلیھم، لما أراد الله أن ينتقم به منھم، فأوحى الله
إلى أرمیا: أني مھلك بني إسرائیل، ومنتقم منھم، فقم على صخرة بیت
المقدس يأتیك أمري ووحیي. فقام أرمیا فشق ثیابه وجعل الرماد على
رأسه وخر ساجداً وقال: يا رب.. وددت أن أمي لم تلدني حین جعلتني آخر
أنبیاء بني إسرائیل فیكون خراب بیت المقدس وبوار بني إسرائیل من
أجلي. فقال له: ارفع رأسك. فرفع رأسه فبكى، قال: يا رب من تسلط
علیھم؟ فقال: عبدة النیران، لا يخافون عقابي، ولا يرجون ثوابي، قم يا
أرمیا فاستمع وحیي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائیل: من قبل أن أخلقك
اخترتك، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك، ومن قبل أن أخرجك
من بطن أمك طھرتك. ومن قبل أن تبلغ نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشد
اخترتك، ولأمر عظیم اجتبیتك، فقم مع الملك تسدده وترشده، فكان مع
الملك يسدده، ويأتیه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث، ونسوا ما
نجاھم الله به من عدوھم سنحاريب وجنوده، فأوحى الله إلى أرمیا: قم
فاقصص علیھم ما آمرك به وذكرھم نعمتي علیھم وعرفھم أحداثھم. فقال
أرمیا: يا رب.. إني ضعیف إن لم تقوني، عاجز إن لم تبلغني، مخطئ إن لم
تسددني، مخذول إن لم تنصرني، ذلیل إن لم تعزني. فقال الله تعالى: أو
لم تعلم أن الأمور كلھا تصدر عن مشیئتي وأن الخلق والأمر كله لي، وأن
القلوب والألسنة كلھا بیدي، فأقلبھا كیف شئت فتطیعني، فأنا الله الذي
لیس شيء مثلي، قامت السماوات والأرض وما فیھن بكلمتي، وإنه لا
يخلص التوحید ولم تتم القدرة إلا لي، ولا يعلم ما عندي غیري، وأنا الذي
كلمت البحار ففھمت قولي، وأمرتھا ففعلت أمري، وحددت علیھا حدوداً فلا
تعدو حدي، وتأتي بأمواج كالجبال فإذا بلغت حدي ألبستھا مذلةً لطاعتي،
وخوفاً واعترافاً لأمري، وإني معك، ولن يصل إلیك شيء معي، وإني بعثتك
إلى خلق عظیم من خلقي، لتبلغھم رسالاتي، فتستوجب لذلك أجر من
اتبعك، ولا ينقص ذلك من أجورھم شیئاً. انطلق إلى قومك فقم فیھم وقل
لھم: إن الله قد ذكركم بصلاح آبائكم، فلذلك استبقاكم، يا معشر أبناء
الأنبیاء، وكیف وجد آباؤكم مغبة طاعتي، وكیف وجدتم مغبة معصیتي،
وھل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصیتي، وھل علموا أحداً أطاعني
فشقي بطاعتي؟ إن الدواب إذا ذكرت أوطانھا الصالحة نزعت إلیھا، وإن
ھؤلاء القوم رتعوا في مروج الھلكة، وتركوا الأمر الذي أكرمت به آباءھم
وابتغوا الكرامة من غیر وجھھا.
فأما أحبارھم ورھبانھم فاتخذوا عبادي خولاً يتعبدونھم ويعملون فیھم
بغیر كتابي حتى أجھلوھم أمري وأنسوھم ذكري وسنتي وغروھم عني
فدان لھم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي، فھم يطیعونھم في
معصیتي.
وأما ملوكھم وأمراؤھم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرتھم الدنیا،
حتى نبذبوا كتابي، ونسوا عھدي، فھم يحرفون كتابي، ويفترون على
رسلي، جرأة منھم عليَّ، وغرةً بي، فسبحان جلالي، وعلو مكاني،
وعظمة شأني، ھل ينبغي أن يكون لي شريك في ملكي؟ وھل ينبغي
لبشر أن يطاع في معصیتي؟ وھل ينبغي لي أن أخلق عباداً أجعلھم أرباباً
من دوني أو آذن لأحد بالطاعة لأحد وھي لا تنبغي إلا لي؟!
وأما قراؤھم وفقھاؤھم فیدرسون ما يتخیرون، فینقادون للملوك
فیتابعونھم على البدع التي يبتدعون في ديني، ويطیعونھم في معصیتي،
ويوفون لھم بالعھود الناقضة لعھدي، فھم جھلة بما يعلمون، لا ينتفعون
بشيء مما علموا من كتابي.
وأما أولاد النبیین فمقھورون ومفتونون، يخوضون مع الخائضین، يتمنون
مثل نصرى آباءھم، والكرامة التي أكرمتھم بھا، ويزعمون أنه لا أحد أولى
بذلك منھم، بغیر صدق منھم ولا تفكر، ولا يذكرون كیف كان صبر آباءھم،
وكیف كان جھدھم في أمري، حین اغتر المغترون، وكیف بذلوا أنفسھم
ودماءھم فصبروا وصدقوا، حتى عز أمري، وظھر ديني. فتأنیت ھؤلاء القوم
لعلھم يستحیون مني ويرجعون، فتطولت علیھم، وصفحت عنھم فأكثرت،
ومددت لھم في العمر وأعذرت لھم لعلھم يتذكرون. وكل ذلك أمطر علیھم
السماء، وأنبت لھم الأرض، وألبسھم العافیة، وأظھرھم على العدو، ولا
يزدادون إلا طغیاناً وبعداً مني فحتى متى ھذا؟ أبى يسخرون، أم بي
يتحرشون، أم إياي يخادعون، أم عليّ يجترئون.
فإني أقسم بعزتي لأتیحن علیھم فتنة يتحیر فیھا الحكیم، ويضل فیھا
رأي ذوي الرأي وحكمة الحلیم، ثم لأسلطن علیھم جباراً قاسیاً عاتیاً
ألبسه الھیبة وأنزع من قلبه الرأفة والرحمة وآلیت أن يتبعه عدد وسواد
مثل اللیل المظلم، له فیه عساكر مثل قطع السحاب ومواكب مثل العجاج،
وكأن خفیق راياته طیران النسور وحمل فرسانه كسرب العقبان، يعیدون
العمران خراباً والقرى وحشاً ويعثون في الأرض فساداً ويتبرون ما علوا
تتبیراً، قاسیة قلوبھم لا يكترثون ولا يرقبون ولا يرحمون ولا يبصرون ولا
يسمعون، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئیر الأسد تقشعر
من ھیبتھا الجلود وتطیش من سمعھا الأحلام بألسنة لا يفقھونھا ووجوه
ظاھر علیھا المنكر لا يعرفونھا. فوعزتي لأعطلن بیوتھم من كتبي وقدسي
ولأخلین مجالسھم من حديثھا ودروسھا ولأوحشن مساجدھم من
عمارھا وزوارھا الذين كانوا يتزينون بعمارتھا لغیري ويتھجدون فیھا
ويتعبدون لكسب الدنیا بالدين، ويتفقھون فیھا لغیر الدين ويتعلمون فیھا
لغیر العمل، لأبدلن ملوكھا بالعز الذل وبالأمن الخوف وبالغنى الفقر
وبالنعمة الجوع وبطول العافیة والرخاء ألوان البلاء، وبلباس الديباج والحرير
مدارع الوبر والعباء، وبالأرواح الطیبة والأدھان جیف القتلى، وبلباسالتیجان
أطواق الحديد والسلاسل والأغلال، ثم لأعیدن فیھم بعد القصور الواسعة
والحصون الحصینة الخراب، وبعد البروج المشیدة مساكن السباع، وبعد
صھیل الخیل عواء الذئاب، وبعد ضوء السراج دخان الحريق، وبعد الأنس
الوحشة والقفار، ثم لأبدلن نساءھا بالأسورة الأغلال وبقلائد الدر والیاقوت
سلاسل الحديد، وبألوان الطیب والأدھان النقع والغبار، وبالمشي على
الزرابي عبور الأسواق والأنھار والخبب إلى اللیل في بطون الأسواق
وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار والأرواح السموم
ثم لأدوسنھم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منھم في حالق لوصل ذلك
إلیه، إني إنما أكرم من أكرمني وأھین من ھان علیه أمري. ثم لآمرن
السماء خلال ذلك فلتكونن علیھم طبقاً من حديد ولآمرن الأرض فلتكونن
سبیكة من نحاس فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت. فإن أمطرت خلال ذلك
شیئاً سلطت علیھم الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة وإن
دعوني لم أجبھم وإن سألوني لم أعطھم وإن بكوا لم أرحمھم وإن تضرعوا
إليّ صرفت وجھي عنھم، وإن قالوا اللھم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا
برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك وجعلت فینا نبوتك وكتابك
ومساجدك ثم مكنت لنا في البلاد واستخلفتنا فیھا وربیتنا وآباءنا من قبلنا
بنعمتك صغاراً وحفظتنا وإياھم برحمتك كباراً فأنت أوفى المنعمین وإن
غیرنا، ولا تبدل وإن بدلنا وأن تتم فضلك ومنك وطولك وإحسانك. فإن قالوا
ذلك قلت لھم إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي، فإن قبلوا أتممت وإن
استزادوا زدت وإن شكروا ضاعفت وإن غیروا غیرت، وإذا غیروا غضبت، وإذا
غضبت عذَّبت ولیسيقوم شيء بغضبي.
قال كعب: فقال أرمیا: بوجھك أصبحت أتعلم بین يديك وھل ينبغي
ذلك لي وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلم بین يديك ولكن
برحمتك أبقیني لھذا الیوم ولیس أحد أحق أن يخاف ھذا العذاب وھذا
الوعید مني بما رضیت به مني طولاً والإقامة في دار الخاطئین وھم
يعصونك حولي بغیر نكر ولا تغییر مني، فإن تعذبني فبذنبي وإن ترحمني
فذلك ظني بك. ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعالیت،
أتھلك ھذه القرية وما حولھا وھي مساكن أنبیائك ومنزل؟ وحیك يا رب
سبحانك وبحمدك تباركت ربنا وتعالیت لمخرب ھذا المسجد وما حوله من
المساجد ومن البیوت التي رفعت لذكرك، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت
وتعالیت لمقتل ھذه الأمة وعذابك إياھم وھم من ولد إبراھیم خلیلك وأمة
موسى نجیك وقوم داود صفیك، يا رب أي القرى تأمن عقوبتك بعد، وأي
العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خلیلك إبراھیم وأمة نجیك موسى وقوم
خلیفتك داود تسلط علیھم عبدة النیران.
قال الله تعالى: يا أرمیا.. من عصاني فلا يستنكر نقمتي، فأني إنما
أكرمت ھؤلاء القوم على طاعتي، ولو أنھم عصوني لأنزلتھم دار العاصین،
إلا أن أتداركھم برحمتي.
قال أرمیا: يا رب اتخذت إبراھیم خلیلاً وحفظتنا به، وموسى قربته نجیاً
فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطفنا ولا تسلط علینا عدونا. فأوحى الله إلیه: يا
أرمیا إني قدستك في بطن أمك وأخرتك إلى ھذا الیوم، فلو أن قومك
حفظوا الیتامى والأرامل والمساكین وابن السبیل لكنت الداعم لھم وكانوا
عندي بمنزلة جنة ناعم شجرھا طاھر ماؤھا ولا يغور ماؤھا ولا تبور ثمارھا
ولا تنقطع، ولكن سأشكو إلیك بني إسرائیل: إني كنت لھم بمنزلة الراعي
الشفیق أجنبھم كل قحط وكل عسرة وأتبع بھم الخصب حتى صاروا
كباشاً ينطح بعضھم بعضاً، فیا ويلھم ثم يا ويلھم، إنما أكرم من أكرمني
وأھین من ھان علیه أمري. إن من كان قبل ھؤلاء القوم من القرون
يستخفون بمعصیتي وإن ھؤلاء القوم يتبرعون بمعصیتي تبرعاً فیظھرونھا
في المساجد والأسواق وعلى رؤوس الجبال وظلال الأشجار حتى عجَّت
السماء إليَّ منھم وعجَّت الأرض والجبال ونفرت منھا الوحوش بأطراف
الأرض وأقاصیھا، وفي كل ذلك لا ينتھون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب.
قال: فلما بلغھم أرمیا رسالة ربھم وسمعوا ما فیھا من الوعید والعذاب
عصوه وكذبوه واتھموه وقالوا: كذبت وأعظمت على الله الفرية فتزعم أن
الله معطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحیده؟ فمن يعبده حین لا
يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب؟! لقد أعظمت الفرية على
الله واعتراك الجنون. فأخذوه وقیدوه وسجنوه، فعند ذلك بعث الله علیھم
بختنصر فأقبل يسیر بجنوده حتى نزل بساحتھم ثم حاصرھم فكان كما
قال تعالى: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} قال: فلما طال بھم الحصر نزلوا على
حكمه ففتحوا الأبواب وتخللوا الأزقة وذلك قوله: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ}
وحكم فیھم حكم الجاھلیة وبطش الجبارين، فقتل منھم الثلث وسبى
الثلث وترك الزمنى والشیوخ والعجائز، ثم وطئھم بالخیل وھدم بیت
المقدس وساق الصبیان وأوقف النساء في الأسواق حاسرات، وقتل
المقاتلة وخرب الحصون وھدم المساجد وحرق التوراة، وسأل عن دانیال
الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد مات وأخرج أھل بیته الكتاب إلیه
وكان فیھم دانیال بن حزقیل الأصغر ومیشائیل وعزرائیل ومیخائیل، فأمضى
لھم ذلك الكتاب. وكان دانیال بن حزقیل خلفاً من دانیال الأكبر ودخل
بختنصر بجنوده بیت المقدس ووطئ الشام كلھا وقتل بني إسرائیل حتى
أفناھم، فلما فرغ منھا انصرف راجعاً وحمل الأموال التي كانت بھا وساق
السبايا فبلغ معه عدة صبیانھم من أبناء الأحبار والملوك تسعین ألف غلام،
وقذف الكناسات في بیت المقدس وذبح فیه الخنازير وكان الغلمان سبعة
آلاف غلام من بیت داود، وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخیه
بنیامین، وثمانیة آلاف من سبط ايشى بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من
سبط زبالون ونفتالي ابني يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن
يعقوب، وثمانیة آلاف من سبط يستاخر بن يعقوب، وألفین من سبط زيكون
بن يعقوب، وأربعة آلاف من سبط روبل ولاوى، واثني عشر ألفاً من سائر
بني إسرائیل.
وانطلق حتى قدم أرض بابل.
قال إسحاق بن بشر: قال وھب بن منبه: فلما فعل ما فعل قیل له:
كان لھم صاحب يحذرھم ما أصابھم ويصفك وخبرك لھم ويخبرھم أنك تقتل
مقاتلتھم وتسبي ذراريھم وتھدم مساجدھم وتحرق كنائسھم، فكذبوه
واتھموه وضربوه وقیدوه وحبسوه. فأمر بختنصر فأخرج أرمیا من السجن
فقال له: أكنت تحذر ھؤلاء القوم ما أصابھم؟ قال: نعم قال: فإني علمت
ذلك. قال: أرسلني الله إلیھم فكذبوني قال: كذبوك وضربوك وسجنوك؟
قال: نعم. قال: بئسالقوم قوم كذبوا نبیھم وكذبوا رسالة ربھم، فھل لك
أن تلحق بي فأكرمك وأواسیك وإن أحببت أن تقیم في بلادك فقد أمنتك.
قال له أرمیا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط،
ولو أن بني إسرائیل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غیرك ولم يكن لك
علیھم سلطان. فلما سمع بختنصر ھذا القول منه تركه فأقام أرمیا مكانه
بأرض أيلیا.
وھذا سیاق غريب، وفیه حكم ومواعظ وأشیاء ملیحة، وفیه من جھة
التعريب غرابة.
وقال ھشام بن محمد بن السائب الكلبي: كان بختنصر أصفھبذاً لما
بین الأھواز إلى الروم للملك على الفرس وھو لھراسب، وكان بنى مدينة
بلخ التي تلقب بالخنساء، وقاتل الترك وألجأھم إلى أضیق الأماكن وبعث
بختنصر لقتال بني إسرائیل بالشام فلما قدم الشام صالحه أھل دمشق،
وقد قیل إن الذي بعث بختنصر إنما ھو بھمن ملك الفرس بعد بشتاسب
بن لھراسب، وذلك لتعدي بني إسرائیل على رسله إلیھم.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وھب، عن
سلیمان بن بلال، عن يحیى بن سعید الأنصاري، عن سعید بن المسیب،
أن بختنصر لما قدم دمشق وجد دماً يغلي على كباّ يعني القمامة،
فسألھم ما ھذا الدم؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على ھذا وكلما ظھر علیه الكبا
ظھر. قال: فقتل على ذلك سبعین ألفاً من المسلمین وغیرھم فسكن.
وھذا إسناد صحیح إلى سعید بن المسیب، وقد تقدم من كلام
الحافظ بن عساكر ما يدل على أن ھذا دم يحیى بن زكريا، وھذا لا يصح
لأن يحیى بن زكريا بعد بختنصر بمدة، والظاھر أن ھذا دم نبي متقدم أو
دم لبعض الصالحین أو لمن شاء الله ممن الله أعلم به.
قال ھشام بن الكلبي: قدم بختنصر بین المقدس فصالحه ملكھا وكان
من آل داود وصانعه عن بني إسرائیل وأخذ منه بختنصر رھائن ورجع، فلما
بلغ طبرية بلغه أن بني إسرائیل ثاروا على ملكھم فقتلوه لأجل أنه صالحه،
فضرب رقاب من معه من الرھائن ورجع إلیھم فأخذ المدينة عنوة، وقتل
المقاتلة وسبى الذرية.
قال: وبلغنا أنه وجد في السجن أرمیا النبي فأخرجه وقص علیه ما
كان من أمره وإياھم وتحذيره لھم عن ذلك فكذبوه وسجنوه فقال بختنصر:
بئس القوم قوم عصوا رسول الله وخلى سبیله وأحسن إلیه واجتمع إلیه
من بقي من ضعفاء بني إسرائیل فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب
إلى الله عز وجل مما صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا، فدعا ربه فأوحى الله
إلیه أنه غیر فاعل، فإن كانوا صادقین فلیقیموا معك بھذه البلدة. فأخبرھم
ما أمره الله تعالى به، فقالوا: كیف نقیم بھذه البلدة وقد خربت وقد غضب
الله على أھلھا! فأبوا أن يقیموا.
قال ابن الكلبي: ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائیل في البلاد فنزلت
طائفة منھم في الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادي القرى، وذھبت شرذمة
منھم إلى مصر، فكتب بختنصر إلى ملكھا يطلب منه من شرد منھم إلیه
فأبى علیه، فركب في جیشه فقاتله وقھره وغلبه وسبى ذراريھم ثم ركب
إلى بلاد المغرب حتى بلغ أقصى تلك الناحیة. قال: ثم انصرف بسبي كثیر
من أرض المغرب ومصر وأھل بیت المقدس وأرض فلسطین والأردن وفي
السبي دانیال.
قلت: والظاھر أن دانیال بن حزقیل الأصغر لا الأكبر. على ما ذكره وھب
بن منبه. والله أعلم.
ذكر شيء من خبر دانیال علیه السلام
قال ابن أبي الدنیا: حدثنا أحمد بن عبد الأعلى الشیباني قال: إن لم
أكن سمعته من شعیب بن صفوان فحدثني بعض أصحابنا عنه، عن الأجلح
الكندي عن عبد الله بن أبي الھذيل، قال ضرَا بختنصر أسدين فألقاھما في
جب، وجاء بدانیال فألقاه علیھما فلم يھیجاه، فمكث ما شاء الله ثم
اشتھى ما يشتھي الآدمیون من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى أرمیا
وھو بالشام: أن أعدد طعاماً وشراباً لدانیال فقال: يا رب أنا بالأرض
المقدسة ودانیال بأرض بابل من أرض العراق. فأوحى الله إلیه أن أعدد ما
أمرناك به فإنا سنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت، ففعل وأرسل إلیه
من حمله وحمل ما أعده حتى وقف على رأس الجب فقال دانیال: من
ھذا؟ قال: أنا أرمیا. فقال: ما جاء بك؟ فقال: أرسلني إلیك ربك. قال: وقد
ذكرني ربي؟ قال: نعم. فقال دانیال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره،
والحمد لله الذي يجیب من رجاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى
غیره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، والحمد لله الذي يجزي
بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف ضُرَّنا بعد كربنا، والحمد لله الذي يقینا
حین يسوء ظننا بأعمالنا، والحمد لله الذي ھو رجاؤنا حین تنقطع الحیل
عنا.
وقال يونس بن بكیر عن محمد بن إسحاق عن أبي خالد بن دينار،
حدثنا أبو العالیة قال: لما افتتحنا تَسْتر وجدنا في مال بیت الھرمزان سريراً
علیه رجل میت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن
الخطاب فدعا له كعباً فنسخه بالعربیة، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته
مثل ما أقرأ القرآن ھذا فقلت لأبي العالیة: ما كان فیه؟ قال: سیركم
وأموركم ولحُون كلامكم وما ھو كائن بعد. قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال:
حضرنا بالنھار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان باللیل دفناه وسوينا القبور
كلھا لنعمیه على الناس فلا ينبشونه قلت: فما يرجون منه قال: كانت
السماء إذا حبست عنھم "المطر" برزوا بسريره فیمطرون قلت: من كنتم
تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانیال. قلت: منذ كم وجدتموه قد مات؟
قال: منذ ثلاثمائة سنة قلت: ما تغیر منه شيء قال: إلا شعرات من قفاه،
إن لحوم الأنبیاء لا تبلیھا الأرض ولا تأكلھا السباع.
وھذا إسناد صحیح إلى أبي العالیة، ولكن إن كان تاريخ وفاته محفوظاً
من ثلاثمائة سنة فلیسبنبي بل ھو رجل صالح، لأن عیسى بن مريم
لیس بینه وبین رسول الله صلى الله علیه وسلم... بنص الحديث الذي في
البخاري، والفترة التي كانت بینھما أربعمائة سنة، وقیل ستمائة، وقیل
ستمائة وعشرون سنة، وقد يكون تاريخ وفاته من ثمانمائة سنة وھو
قريب من وقت دانیال، إن كان كونه دانیال ھو المطابق لما في نفسالأمر،
فإنه قد يكون رجلاً آخر إما من الأنبیاء أو الصالحین، ولكن قَربت الظنون أنه
دانیال لأن دانیال كان قد أخذه ملك الفرس فأقام عنده مسجوناً كما تقدم.
وقد روي بإسناد صحیح إلى أبي العالیة أن طول أنفه شبر، وعن أنس
بن مالك بإسناد جید أن طول أنفه ذراع، فیحتمل على ھذا أن يكون رجلاً
من الأنبیاء الأقدمین قبل ھذه المدد، والله تعالى أعلم.
وقد قال أبو بكر بن أبي الدنیا في كتاب أحكام القبور: حدثنا أبو بلال
محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري حدثنا
أبو محمد القاسم بن عبد الله، عن أبي الأشعث الأحمري، قال: قال
رسول الله صلى الله علیه وسلم : إن دانیال دعا ربه عز وجل أن تدفنه أمة
محمد، فلما افتتح أبو موسى الأشعري تستر وجده في تابوت تضرب
عروقه ووريده، وقد كان رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: من دلَّ على
دانیال فبشروه بالجنة. فكان الذي دل علیه رجل يقال له حرقوص فكتب أبو
موسى الأشعري إلى عمر بخبره فكتب إلیه عمر: أن ادفنه وابعث إليَّ
حرقوص فإن النبي صلى الله علیه وسلم بشره بالجنة.
وھذا مرسل من ھذا الوجه وفي كونه محفوظاً نظر والله أعلم. ثم قال
ابن أبي الدنیا: حدثنا أبو بلال، حدثنا قاسم بن عبد الله عن عنبسة بن
سعید، وكان عالماً، قال: وجد أبو موسى مع دانیال مصحفاً وجرَّة فیھا ودك
ودراھم وخاتمه، فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر فكتب إلیه عمر: أما
المصحف فابعث به إلینا، وأما الودك فابعث إلینا منه ومر من قبلك من
المسلمین يستشفون به، واقسم الدراھم بینھم، وأما الخاتم فقد
نفلَّناكه.
وروى ابن أبي الدنیا من غیر وجه أن أبا موسى لما وجده وذكروا له
أنه دانیال التزمه وعانقه وقبله، وكتب إلى عمر يذكر له أمره وأنه وجد
عنده مالاً موضوعاً قريباً من عشرة آلاف درھم وكان من جاء اقترض منھا
فإن ردھا وإلا مرض وإن عنده ربَعْة فأمر عمر أن يغسل بماء وسدر ويكفن
ويدفن ويخفى قبره فلا يعلم به أحد، وأمر بالمال أن يرد إلى بیت المال،
وبالربعة فتحمل إلیه ونفله خاتمه.
وروي عن أبي موسى أنه أمر أربعة من الأسراء فسكرَوا نھراً وحفروا
في وسطه قبراً فدفنه فیه، ثم قدَّم الأربعة الأسراء فضرب أعناقھم فلم
يعلم موضع قبره غیر أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وقال ابن أبي الدنیا: حدثني إبراھیم بن عبد الله، حدثنا أحمد بن عمرو
بن السرح، حدثنا ابن وھب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبیه قال:
رأيت في يد ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري خاتماً نقش فصه
أسدان بینھما رجل يلحسان ذلك الرجل، قال أبو بردة: وھذا خاتم ذلك
الرجل المیت الذي زعم أھل ھذه البلدة أنه دانیال أخذه أبو موسى يوم
دفنه. قال أبو بردة: فسأل أبو موسى علماء تلك القرية عن نقش ذلك
الخاتم فقالوا: إن الملك الذي كان دانیال في سلطانه جاءه المنجمون
وأصحاب العلم فقالوا له: إنه يولد كذا وكذا غلام يَعور ملكك ويفسده، فقال
الملك: والله لا يبقى تلك اللیلة غلام إلا قتلته. إلا أنھم أخذوا دانیال فألقوه
في أجمة الأسد فبات الأسد ولبؤته يلحسانه ولم يضراه. فجاءت أمه
فوجدتھما يلحسانه فنجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ قال أبو بردة: قال أبو
موسى: قال علماء تلك القرية: فنقش دانیال صورته وصورة الأسدين
يلحسانه في فص خاتمه لئلا ينسى نعمة الله علیه في ذلك.
إسناد حسن.
ذكر عمارة بیت المقدسبعد خرابھا
وھذا ذكر عمارة بیت المقدس بعد خرابھا واجتماع الملأ من بني
إسرائیل بعد تفرقھم في بقاع الأرض وشعابھا
قال الله تعالى في كتابه المبین وھو أصدق القائلین: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ
عَلَى قَرْيَةٍ وَھِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِھَا قَالَ أَنَّى يُحیِْي ھَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِھَا
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ
بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُر إِْلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَیْفَ نُنشِزُھَا ثُمَّ نَكْسُوھَا لَحْماً فَلَمَّا
تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قال ھشام بن الكلبي: ثم أوحى الله تعالى إلى أرمیا علیه السلام
فیما بلغني: إني عامر بیت المقدس فاخرج إلیھا فانزلھا. فخرج حتى
قدمھا وھي خراب، فقال في نفسه: سبحان الله أمرني الله أن أنزل ھذه
البلدة وأخبرني أنه عامرھا فمتى يعمرھا ومتى يحییھا الله بعد موتھا!
ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة من طعام فمكث في نومه
سبعین سنة حتى ھلك بختنصر والملك الذي فوقه وھو لھراسب، وكان
ملكه مائة وعشرين سنة وقام بعده ولده بشتاسب بن لھراسب، وكان
موت بختنصر في دولته فبلغه عن بلاد الشام أنھا خراب وأن السباع قد
كثرت في أرض فلسطین فلم يبقى بھا من الإنس أحد، فنادى في أرض
بابل في بني إسرائیل: أن من شاء أن يرجع إلى الشام فیرجع. وملك
علیھم رجلاً من آل داود وأمره أن يعمر بیت المقدس ويبني مسجدھا
فرجعوا فعمروھا وفتح الله لأرمیا عینیه فنظر إلى المدينة كیف تبنى وكیف
تعمر، ومكث في نومه ذلك حتى تمت له مائة سنة. ثم بعثه الله وھو لا
يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عھد المدينة خراباً فلما نظر إلیھا عامرة
آھلة قال {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قال: فأقام بنو إسرائیل بھا ورد الله علیھم أمرھم فمكثوا كذلك حتى
غلبت علیھم الروم في زمن ملوك الطوائف، ثم لم يكن لھم جماعة ولا
سلطان يعني بعد ظھور النصارى علیھم. ھكذا حكاه ابن جرير في تاريخه
عنه وذكر ابن جرير أن لھراسب كان ملكاً عادلاً سائساً لمملكته، قد دانت
له العباد والبلاد والملوك والقواد وأنه كان ذا رأي جید في عمارة الأمصار
والأنھار والمعاقل، ثم لما ضعف عن تدبیر المملكة بعد مائة سنة ونیف نزل
عن الملك لولده بشتاسب، فكان في زمانه ظھور دين المجوسیة، وذلك
أن رجلاً اسمه زرادشت كان قد صحب أرمیا علیه السلام فأغضبه فدعا
علیه أرمیا علیه السلام فبرص زرادشت، فذھب فلحق بأرض أذربیجان،
وصحب بشتاسب، فلقنه دين المجوسیة الذي اخترعه من تلقاء نفسه،
فقبله منه بشتاسب، وحمل الناس علیه، وقھرھم، وقتل منھم خلقاً كثیراً
ممن أباه منھم.
ثم كان بعد بشتاسب بھمن بن بشتاسب، وھو من ملوك الفرس
المشھورين، والأبطال المذكورين، وقد ناب بختنصر لكل واحد من ھؤلاء
الثلاثة وعمر دھراً طويلاً قبحه الله.
والمقصود أن ھذا الذي ذكره ابن جرير من أن ھذا المار على ھذه
القرية ھو أرمیا علیه السلام قاله وھب بن منبه وعبد الله بن عبید بن
عمیر وغیرھما. وھو قوي من حیث السیاق المتقدم، وقد روي عن علي
وعبد الله بن سلام وابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسلمان بن بردة
وغیرھم أنه عزير. وھذا أشھر عند كثیر من السلف والخلف والله أعلم.

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل

يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة

التسجيل

انضم الينا لن يستغرق منك الا ثوانى معدودة!


أنشئ حساب جديد

تسجيل الدخول

ليس لديك عضويه ؟ بضع ثوانى فقط لتسجيل حساب


تسجيل الدخول

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى